أزمة الرهائن الإسرائيليين تدفع بمحنة العائلات في بحر غزة.. قافلة نحو الأمل أم صرخة في العدم؟
أزمة الرهائن الإسرائيليين تدفع بمحنة العائلات في بحر غزة.. قافلة نحو الأمل أم صرخة في العدم؟
في مشهد يحمل من الرمزية ما يفوق عدد القوارب وعدد الهتافات، أبحرت مجموعة صغيرة من القوارب من ميناء عسقلان باتجاه السواحل الشمالية لقطاع غزة الخميس لكن هذه القافلة لم تكن سياحية، ولا جزءًا من مناورة عسكرية؛ بل كانت محملة بالقلق، والصور، والرسائل الموجهة إلى الحكومة الإسرائيلية، كان على متنها عشرات من عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، يصرخون وسط البحر: "أعيدوا أبناءنا.. لا نريد نصرًا على حساب جثثهم".
هذا التحرك غير المسبوق يأتي في خضم لحظة سياسية وأمنية شديدة التوتر، مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وتكهنات باقتراب عملية اجتياح بري شامل، قد تطمس مصير الرهائن الباقين هناك، وتُدخِل العائلات في دائرة اليأس.
البحر بوابة ضغط إنساني
أكثر من 20 فردًا، بين آباء وأمهات وأقارب ومناصرين، صعدوا إلى القوارب، رافعين صور أحبائهم المختطفين، ولافتات كتب عليها: "إعادة الرهائن أولًا"، و"الحرب تقتل أبناءنا لا تُحررهم"، في خطوة هدفها الضغط على الحكومة الإسرائيلية وإحراجها أخلاقيًا وسياسيًا.
وفي بيانهم الموحد، قالت العائلات: "نبحر اليوم ليس بحثًا عن مواجهة، بل عن إنسانية.. نذكّر الحكومة أن التوسع في الحرب على غزة يعني تصفية رهائننا ميدانيًا.. لا يمكن بناء نصر على أشلاء الأبرياء".
وقد انتشر الفيديو المصور للرحلة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ليحول القافلة إلى صرخة إنسانية يتردد صداها في القاعات المغلقة حيث تُتخذ قرارات الحرب.
الشرخ المتزايد داخل المجتمع الإسرائيلي
لم يعد صوت الشارع الإسرائيلي موحدًا خلف العمليات العسكرية كما كان في بدايات الحرب، بل بدأ الانقسام يأخذ طابعًا أكثر حدّة، وفق استطلاع نشره مركز الديمقراطية الإسرائيلي في نهاية يوليو 2025، فإن 80% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تبادل تشمل وقف الحرب مقابل استعادة الرهائن.
وهذا الرقم ليس مجرد إحصاء، بل تعبيرا صارخا عن شعور عام بالخيانة، إذ تتهم العائلات الحكومة بأنها فضّلت الكسب السياسي على حساب حياة مدنيين مخطوفين، وهو ما عبّرت عنه والدة الرهينة ماتان، عيناف زانغاوكر، بقولها: "لقد كذب علينا نتنياهو وخدع ألمنا.. لا نريد أن نكون مجرد ضحايا لتسجيل نقاط سياسية".
خيارات صعبة أم مراوغة محسوبة؟
في وقت تتصاعد فيه نداءات العائلات، عقد المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) اجتماعًا وصفته الصحافة العبرية بـ"الحاسم"، حيث ناقش إمكانية التوسع في غزة وصولًا إلى احتلال كامل للقطاع، وسط تحذيرات مباشرة من القيادة العسكرية بأن مثل هذا التحرك قد يؤدي إلى مقتل الرهائن.
وفي تسريبات لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، حذر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير من أن "أي تصعيد جديد سيزيد من احتمالات تصفية الرهائن على يد حماس أو فقدان أثرهم إلى الأبد".
لكن، رغم تلك التحذيرات، تشير المؤشرات إلى أن المؤسسة السياسية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تميل إلى مواصلة العمليات، ربما مدفوعة بضغوط داخلية تتعلق بالصورة السياسية للحكومة وقاعدتها اليمينية المتشددة.
القانون الدولي: حقوق الأسرى المدنيين ليست ورقة تفاوض
وفق القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف الرابعة، فإن احتجاز مدنيين واستخدامهم كورقة تفاوض يمثل انتهاكًا واضحًا لمبادئ الحماية الإنسانية. كما يلزم الدول، ومن بينها إسرائيل، ببذل كل جهد ممكن لحماية مواطنيها المدنيين المخطوفين، دون تعريضهم للخطر خلال العمليات العسكرية.
وقد دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أصدرته في يوليو الماضي إلى "اتخاذ كل السبل الممكنة، عبر الوسائل السلمية والتفاوض، لإعادة الرهائن المدنيين إلى ذويهم دون تأخير أو مساومة على حياتهم".
من جانبها، أبدت منظمة هيومن رايتس ووتش قلقها من استمرار التصعيد العسكري رغم وجود رهائن، معتبرة أن "الخطاب الرسمي الإسرائيلي يفتقر إلى التوازن بين الضرورات الأمنية والواجبات الإنسانية".
أزمة مستمرة منذ 7 أكتوبر
تعود جذور الأزمة إلى عملية الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2024، والذي أسفر عن أسر أكثر من 250 إسرائيليًا، بينهم جنود ومدنيون. ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق سراح عدد منهم عبر صفقات تبادل، لا سيما في نوفمبر 2024.
لكن وفق تقارير رسمية، لا يزال نحو 50 رهينة في غزة، معظمهم من المدنيين، وسط غياب معلومات دقيقة عن أوضاعهم الصحية والنفسية، وقد أفادت تقارير استخباراتية أن بعض الرهائن تم نقلهم إلى أنفاق عميقة تحت الأرض، فيما تحدثت مصادر أخرى عن وفاة عدد منهم جراء القصف.
السؤال الأكبر: من يدفع الثمن؟
بحسب مراقبين حقوقيين يضع هذا المشهد المعقد إسرائيل أمام سؤال أخلاقي وإنساني لا مهرب منه، هل يمكن للحكومة أن تُواصل عملياتها العسكرية وهي تعلم أن مصير العشرات من مواطنيها على المحك؟ أم أن لحظة الحقيقة قد حانت، ويتوجب فتح قناة تفاوضية، وإن كانت مكلفة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
المعضلة هنا ليست فقط سياسية، بل وجودية؛ فالرهائن ليسوا مجرد ملفات تفاوض، بل أناس بأسماء ووجوه وأحلام، يعيشون جحيمًا لا يراه الإعلام، وتعيش عائلاتهم قلقًا لا يهدأ.
قد لا يكون لهذه القافلة أن تصل إلى غزة، وقد لا ترى أعين الأمهات أبناءهم هذا الأسبوع أو الشهر القادم. لكن ما فعلته هذه القوارب الصغيرة كان أكبر من محاولتها الرمزية، لقد حركت الضمير، وأعادت تسليط الضوء على "الوجه المنسي للحرب" المدنيون الأبرياء الذين يدفعون أثمانًا مضاعفة، في العتمة، وتحت الأرض، بعيدًا عن عناوين البيانات السياسية.